الكلّ يعلم أنّ التوازنات السياسيّة في تونس تخضع لعوامل متعددة داخليّة وخارجيّة و أنّ التصرّف في هذه العوامل هو المحدد لما ستؤول إليه مخرجات الثورة. ويعود التصرّف في هذه العوامل مبدئيّا إلى كلّ الطيف السياسي لكن في واقع الأمر معظم المفاتيح مقسّمة بين ثلاث مراكز: اليمين الليبيرالي "الحداثي"والمتّهم عموما بالتبعيّة والفساد و يرأس هذا الطيف رئيس الجمهوريّة بلا منازع، اليمين المحافظ "الإسلامي" ويرأسه راشد الغنّوشي و الإتّحاد العام التونسي للشغل. أمّا بقيّة الأطياف فلا تملك أكثر من التحيّز لهذا أو لذاك لأسباب إمّا دغمائيّة أو سياسويّة. حكومة الوحدة الوطنيّة تمثّل، عبر وثيقة قرطاج، الإتّفاق الظرفي والضروري لتفادي صراعات لا تحمد عقباها لكنّ يبدو أنّ الثقة غير موجودة و لا يفوّت أيّ من الشركاء الفرصة لكسب نقاط و إضعاف الآخرين. كلّ مراقب موضوعي يعتبر أنّ إزاحة ناجي جلّول حبل شدّ بين اليمين الليبرالي و الإتّحاد لكنّ صلف نقابات التعليم الثانوي لم يترك مجالا لإعداد سيناريو مناسب لتصفية القضيّة في جوّ هادئ خصوصا وأنّ الوزيرجلّول، سليل المدرسة اليساريّة الإنتهازية، هو من أحسن المساحيق المجمّلة للسياسة الليبراليّة للحكومةّ، سياسة مقلقة مبدئيّا للإتّحاد. عبيد البريكي أعطى فرصة ذهبيّة لرئيس الحكومة لحلحلة الوضع، سيغضب الإتّحاد لإقالته وسيتدخّل الموفّقون و يقبل رئيس الحكومة تقييم عمل الوزراء بمشاركة مسانديه ويتمخّض التقييم على تحوير وزاري توافقي يرضي الإتّحاد ويزيح جلّول دون رجوع البريكي الذي بدأ يتحرّك كأنّه وزيرا حقيقيّا و صاحب القرار داخل قطاعه. babnet