• 06 Nov, 2024

تحقيق النفاذ الثقافي للفئات الهشة أحد أهم المشاريع التي تشتغل عليها إدارة المطالعة العمومية

تحقيق النفاذ الثقافي للفئات الهشة أحد أهم المشاريع التي تشتغل عليها إدارة المطالعة العمومية

تحقيق النفاذ الثقافي للفئات الهشة أحد أهم المشاريع التي تشتغل عليها إدارة المطالعة العمومية

تعمل إدارة المطالعة العمومية على إنجاز مشاريع كبرى تهدف إلى تمكين المكفوفين من الاستفادة من خدمات المكتبات العمومية في كل ولايات الجمهورية، وإلى ترغيب الأطفال في المطالعة. ذلك ما أكدته ليلى السالمي مديرة المطالعة العمومية التابعة لإدارة الكتاب بوزارة الشؤون الثقافية في حوار مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء.

وأفادت ليلى السالمي في لقاء مع "وات" أن إدارة المطالعة بصدد إنجاز ثلاثة مشاريع كبرى بهدف التجديد في المكتبات وتطويرها لاستقطاب القراء. وأهم هذه المشاريع "مشروع تحقيق النفاذ الثقافي للفئات الهشة" الذي يهدف أساسا إلى تمكين هذه الفئات من الاستفادة من خدمات المكتبات العمومية وترغيبها في المطالعة وهو موجه أكثر للمكفوفين إذ يشمل توفير كتب "براي" التي تخصص لها إدارة المطالعة سنويا جزءا من ميزانية الاقتناءات، رغم غلاء أسعارها على حد تعبيرها.

ويشمل المشروع أيضا شراء ما يسمى ب"حقيبة المكفوفين" التي تضم أدوات وتقنيات لتسهيل المطالعة للمكفوفين. ومن المنتظر أن تصل هذه الحقيبة قريبا إلى مكتبتي المنستير وباجة في انتظار استكمال إجراءات استيرادها لتعميمها على بقية المكتبات الجهوية. وسيقع توفير 10 حقائب في كل ولاية علما وأنها ستكون متاحة أيضا للإعارة للمؤسسات الخاصة بالمكفوفين حتى يتسنى للجميع الاستفادة منها.

وإلى جانب كتب "براي" و"حقيبة المكفوفين"، يضم مشروع "تحقيق النفاذ الثقافي للفئات الهشة" أيضا مكونا آخر وهو "المكتبات الصوتية" الذي انطلق إنجازه منذ سنة 2021 وقد بلغ عدد هذه المكتبات إلى اليوم 7 فضاءات داخل عدد من المكتبات الجهوية حيث تم توفير مجموعة من الكتب المسموعة، مع تجهيز ركن يضم حاسوبا وسماعات وغيرها من الأدوات التي يحتاجها الفرد للاستماع إلى الكتب الصوتية المتوفرة وهي متاحة حاليا في المكتبات الجهوية بتونس وبن عروس وتوزر والقصرين وصفاقس.

وأوضحت مديرة إدارة المطالعة العمومية أن عملية توزيع كتب "براي" وتركيز فضاءات المكتبة الصوتية كانت الأولوية فيها للمكتبات القريبة من مراكز الإحاطة بالمكفوفين، وللولايات التي يوجد بها أكبر عدد منهم، حسب الإحصائيات التي وفرها الاتحاد الوطني للمكفوفين، من ذلك أن المكتبة الجهوية ببن عروس تتمتع بأكبر رصيد من كتب "براي" لأنها تتموقع جغرافيا بالقرب من مدرسة ومعهد النور للمكفوفين ببئر القصعة.

أما المشروع الثاني الذي تنجزه إدارة المطالعة العمومية فيتمثل في تخصيص "فضاءات نموذجية" لفئات اجتماعية معينة وهي تختلف عن مقومات فضاء المكتبة الكلاسيكي وقد بلغ عددها 41 وتتضمن ثلاثة أصناف، الأول مخصص "للتربية الوالدية" ويهدف إلى توفير إطار معرفي ترفيهي لأطفال السنوات التحضيرية أو من هم أصغر سنا، ولكن مع شرط مرافقة أوليائهم لهم.

وأشارت ليلى السالمي إلى أن هذه الفضاءات صممت بألوان جذابة وتحتوي على أثاث مريح للطفل وتوفر كتبا للأطفال تم إنجازها بمواد تراعي سنهم على غرار القصص المصنوعة من مواد قماشية أو بلاستيكية والكتب التعليمية التي تعتمد صورا ثلاثية الأبعاد. وقد تم إلى حد الآن بعث 24 فضاء من هذا النوع في مقرات المكتبات الجهوية والعمومية.

ويتضمن مشروع "الفضاءات النموذجية" كذلك فضاء "المكتبة الصوتية" الذي يندرج بدوره ضمن مشروع تحقيق النفاذ الثقافي للفئات الهشة. كما تضم الفضاءات النموذجية "فضاء المطالعة الرقمية" وتتوفر فيه كتب رقمية وركن مجهز لقراءتها داخل المكتبة، وقد تولت إدارة المطالعة العمومية تجهيز 11 فضاء للمطالعة الرقمية.

أما بخصوص المشروع الثالث الذي تحدثت عنه ليلى السالمي فهو "حدائق المطالعة" ويتمثل في استغلال الفضاءات الخضراء التابعة لبعض المكتبات من خلال تهيئتها لاستقبال رواد المكتبة أو لإقامة أنشطة ثقافية بها. وقد انطلق هذا المشروع بالمكتبة العمومية بحومة السوق بجربة على أن يقع تهيئة بقية المكتبات تباعا.

وتحدثت ليلى السالمي في حوارها مع "وات" عن سياسة "الاقتناء وتنمية المجموعات" للمكتبات العمومية بكامل تراب الجمهورية، حيث أكدت أن وزارة الشؤون الثقافية تُخصص سنويا ميزانية تناهز الستة ملايين دينار تونسي لاقتناء الكتب ومختلف الإصدارات من دوريات ومصادر رقمية تونسية وأجنبية. وأوضحت أن إدارة المطالعة العمومية تراسل سنويا المكتبات الجهوية لمدّها بمقترحاتهم في العناوين المنقوصة، ويتم اعتماد هذه القائمات وتغذيتها بالإصدارات الجديدة انطلاقا من فهارس الناشرين وفق قولها.

وحول تفاصيل عملية الشراء أوضحت أنها تتم تحت إشراف لجنة تضم ممثلين عن المكتبات العمومية لإلمامهم أكثر باحتياجات المكتبات. وأشارت إلى أن لجنة الشراءات التي ستنظر في قائمة الكتب المقترحة لهذه السنة لم تجتمع بعد، علما أن عدد الكتب المقتناة سنة 2023 بلغ 1112 كتابا من ضمنها 839 باللغة العربية و239 باللغات الأجنبية و34 كتابا باللغتين العربية والفرنسية. وتخضع عملية الشراءات لمجموعة من المعايير أهمها الإلمام بالمعارف العامة العلمية والأدبية ومراعاة مسألة اللغة مع شرط أن يكون الإصدار حديثا.

وفي ذات السياق أشارت مديرة المطالعة العمومية إلى أن اختلاف النسب بين اقتناء الكتاب الأدبي والعلمي يضبطه أساسا مدى توفر الإنتاج الفكري، خاصة بالنسبة إلى الكتاب التونسي الذي اعتبرت إنتاجه غير غزير ولا يمس كل القطاعات. ولاحظت أن النقص الأكبر عادة ما يكون في مجال العلوم الصحيحة وفي الكتب الموجهة لليافعين وهو ما يفسر ضعف إقبال هذه الفئة على المكتبات، إضافة إلى أن الكتاب التونسي الموجه للطفل يحتاج إلى مزيد العمل على مستوى الإخراج والمضمون ليصبح جاذبا للطفل بحسب السالمي.

وفضلا عن توزيع هذه المقتنيات على المكتبات العمومية عن طريق المكتبات الجهوية، أوضحت ليلى السالمي أنه يتم سنويا تخصيص عدد هام من الكتب لتوزيعه على المكتبات المدرسية والمبيتات ومركبات الطفولة وغيرها من الفضاءات، وذلك وفقا لاتفاقيات الشراكة التي تُبرمها مختلف الهياكل مع وزارة الشؤون الثقافية.

وأشارت في هذا السياق إلى أنه تم خلال السداسي الأول من سنة 2024 مد الجمعيات والمنظمات ب 3200 كتاب ووزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن ب 1760 كتابا ووزارة التربية ب 3180 كتابا ووزارة التعليم العالي 215 كتابا ووزارة العدل بألف إصدار أيضا. كما تحصلت المندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية على 3380 كتابا والمؤسسات الثقافية التي توجد بها مكتبات على 3595 إصدارا ويتم توزيع هذه الكتب حسب الحاجة، وفي إطار الإمكانيات المتوفرة.

إن توزيع هذه الكتب على مختلف المؤسسات يندرج أيضا ضمن برامج الترغيب في المطالعة التي انطلقت منذ تسعينات القرن الماضي من أجل حفظ العلاقة بين المكتبة وروادها والذين أغلبهم تلاميذ وطلبة، إذ أن المكتبات عادة ما تتموقع بجانب المؤسسات التربوية والجامعية وهي عبارة عن ملاذ للتلاميذ.

وضمن سياسة الترغيب في المطالعة تُقام سنويا مجموعة من التظاهرات على غرار تظاهرة "المطالعة في الوسط الريفي" التي تنظمها المكتبات المتجولة (عددها 40) بالتعاون مع وزارة التربية، وتظاهرة "كتاب على الحدود" التي تهدف إلى إيصال الكتاب إلى المدارس والفضاءات الثقافية الموجودة على الشريط الحدودي من الشمال إلى الجنوب بمساعدة المكتبات المتجولة من خلال القيام بأنشطة لفائدة الأطفال وبعث مكتبات لفترة محددة. وهي تظاهرة انطلقت في السنة الفارطة وستقام سنويا، وتتولى تنظيمها في كل دورة إحدى المكتبات الجهوية بالولايات الحدودية. وستتكفل ببرنامج هذه السنة المكتبة الجهوية بتوزر وفي السنة القادمة المكتبة الجهوية بالقصرين.

وأشارت ليلى السالمي في حديثها مع "وات" إلى أن برنامج الترغيب في المطالعة يشمل تظاهرة "مصيف الكتاب" التي تقام سنويا، مضيفة أن اختتام مصيف هذا العام سيخصص له ملتقى يومي 13 و 14 أكتوبر حيث سيقع بالمناسبة تقييم فعاليات الدورة 31 من المصيف، وتقييم برامج المكتبات للعام الحالي وتقارير عن هذه التظاهرة في مختلف الجهات، إضافة إلى ورشات تكوين في كيفية تنظيم المهرجانات والترويج لها إعلاميا.

وعن التظاهرات المحفزة على المطالعة والتي يمكن قياس أثرها لتقييم مدى الاستفادة منها، تحدثت مديرة المطالعة العمومية عن "البطولة الوطنية للمطالعة" التي أقيمت دورتها الثالثة سنة 2023 معتبرة أنها أكثر تظاهرة ذات أثر ملموس، باعتبارها تتضمن تصفيات محلية وجهوية ووطنية، وتقوم المسابقة على قراءة عدد محدد من الكتب وهي تظاهرة تجمع سنويا 60 شخصا عن كل ولاية أي بمجموع 1440 متسابقا من تونس. وهم أبطال قادرون على المشاركة في مختلف المسابقات الدولية.

وختمت ليلى السالمي حديثها مع "وات" بالتأكيد على أن الهدف من كل هذه المشاريع هو الارتقاء بالمكتبات العمومية في تونس لجعلها مواكبة للمستجدات التقنية والمكتبية في العالم، حتى تظلّ المكتبة فضاء جاذبا للقراء بمختلف شرائحهم خاصة في ظل تنامي استعمال التكنولوجيا.